بما أن الغرض من هذه النشرة الالكترونية هو تحقيق واحدة من اهداف الجمعية بنشر الثقافة الصحية حول مرض ارتفاع ضغط الدم بين افراد المجتمع، لذا وجب علينا توضيح ما أُبهم وانتشر من مفاهيم حول ذلك ومقاربة الموضوع بشكل علمي مبسط لكل المحاور المتعلقة بمرض ارتفاع ضغط الدم، وستكون المحاور بمشيئته تعالى:
- طرق التشخيص المبكر المعيارية الغير عشوائية.
- وسائل الوقاية من حدوث المرض.
- وسائل التدخل والعلاج المبنية على البراهين العلمية الرصينة.
- وسائل المتابعة والمراقبة المستمرة طويلة الأمد ضمن مفهوم شامل لتلازم المرض مع المشاكل الصحية والسلوكية الأخرى المقترنة به -كالسكر والسمنة ودهون الدم والتدخين-
- والشراكة الكاملة بين المريض والمعالج في كل المراحل، والتعاون في رعاية المريض بين مختلف التخصصات الطبية لمنع حصول المضاعفات، والأهم أن يكون ذلك ضمن خطة وطنية شاملة تشمل كل القطاعات ذات العلاقة.
سوف نجول سوية حول هذه المحاور في هذه السلسلة من المقالات إن شاء الله، لكننا اليوم سنكون في إطلالة عامة عن المرض.
• المصطلح
دعونا أولاً ندقق المصطلح، حيث لا يوجد مرض اسمه “ضغط الدم” حيث إن هذا المصطلح هو إشارة إلى وحدة قياس وليس إلى مرض، وان التسمية الصحيحة هي “مرض ارتفاع ضغط الدم”. عنما نقول إنه مرض فنحن قطعاً لا نعني اعتماد نتيجة قياس عشوائي لضغط الدم لمرة واحدة، بل نشخص ذلك بعد قياسات مرجعية معيارية لعدة مرات وبشروط محددة سنأتي على ذكرها لاحقاً.
كما يتوجب الفصل وعدم الخلط بين المصطلح المتداول تحت مسمى ” الضغط والتوتر العصبي” وبين المصطلح الطبي “مرض ارتفاع ضغط الدم”. فمرض ارتفاع ضغط الدم هو مرض منتشر في كل المجتمعات والأوطان بشكل متضخم ولافت وخطير، حيث إن ما يقرب من ربع السكان البالغين مصابون بهذا المرض. وبالرغم من أن الأسباب متعددة إلا أنه توجد رابطة بين ذلك وطبيعة التحولات في نمط وأسلوب الحياة العصري الحديث دون أن يمنع من حدوثه في المجتمعات التقليدية، حيث توجد تلازمات بين المرض وكل من زيادة الوزن وقلة الحركة وارتفاع سكر ودهون الدم والتدخين وفرط نشاط الجهاز العصبي السيمبثاوي وغيره من العوامل المتصاحبة.
الغالبية العظمى من الحالات المصابة بهذا المرض هي التي نسميها ارتفاع ضغط الدم الأولي أو الأساسي، ولكن هناك نوع آخر غير شائع وهو ارتفاع ضغط الدم الثانوي والذي ينتج عن أمراض أخرى مثل اعتلالات الكلى والاضطرابات الهرمونية على سبيل المثال وليس الحصر. ورغم أن مرض ارتفاع ضغط الدم الأساسي الشائع غالبا ما يصيب الأشخاص بعد مرحلة منتصف العمر، إلا أنه وللأسف يتم رصده الآن في الأعمار المبكرة، بل وحتى عند الأطفال وذلك ربما بسبب تغير أنماط الحياة في البيئات العصرية الحديثة التي أتينا على ذكرها.
يلزم هنا تصحيح مفهوم أو انطباع شائع، ولكنه غير دقيق بأن مرض ارتفاع ضغط الدم هو مرض طارئ ومؤقت، وحتى نتجنب الأمل الزائف وجب القول بأن “مرض ارتفاع ضغط الدم الأساسي” هو مرض طويل الأمد ومزمن ويصاحب المصاب به غالبًا طوال عمره المديد دون أن يعني ذلك الإمكانية الكبيرة للسيطرة عليه وأعادته إلى معدلاته الطبيعية بالعلاج وتغيير نمط الحياة أو بإزالة مسبباته مثل السمنة المفرطة والخلل الهرموني في حالة ضغط الدم الثانوي.
• تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة
في حال اتفق طَرفي الاستشارة (المعالج والمصاب) على خيار العلاج الدوائي للمرض فهذا لا يعني مطلقا عدم الحاجة لتطوير نمط الحياة مثل المداومة على الرياضة وإنقاص الوزن وتقليل درجات التوتر والانقطاع عن التدخين والمشروبات الكحولية بل إن الأمرين متلازمان أكثر مما نتصور ويدعم احدهما الآخر. فلذا نقول: قم بالأمرين معاً طوال الوقت واستمتع بحياتك الجديدة.
حذاري من التوقف عن العلاج او تطوير نمط الحياة فيما لو عادت مقاييس ضغط الدم إلى مستوياتها المستهدفة أو الطبيعية بعد العلاج، فذلك فخ خطير، تابع ما انت عليه ولا تتخذ قرارات فردية دون التشاور طبيبك، فربما تتفقون على تغيير بعض جوانب الخطة، انت وطبيبك المعالج في شراكة لا تنفصم عراها، شارك، ناقش، اسأل، واعترض، ولكن بعد الاتفاق الكامل التزم بالخطة العلاجية.
كثير من الناس يقع في ظاهرة سلوكية بعد تشخيص المرض والذي نسميها الإنكار اللاشعوري للمرض Denial، وهي عملية عقلية شعورية يتصور فيها الشخص ان المرض لم يحدث وبالتالي يجري انكاره وهو كما قلنا شائع خصوصًا في حالة الأمراض المزمنة، فلذا ننصح دائمًا بالتشاور مع الطبيب المعالج حول الهواجس، ولكن احترم الوقائع التي على الأرض وسيزول هذا الشعور بعد حين.
قد يخالجك مفهوم مضلل وهو ان أدوية خفض ضغط الدم قد تكون اضرارها ومشاكلها كارثية وبالتالي ترفض التعاطي معها والاستمرار عليها، للأسف هذا مفهوم شائع وخطير جدا، حيث أن بقاء الضغط المرتفع والأمراض المصاحبة معه من غير علاج له عواقب كارثية ممكن ان تدمر وظيفة الكلى وتتسبب في النوبات والجلطات القلبية والدماغية وفقدان جزئي أو كلي للبصر وغير ذلك من العواقب الوخيمة، بينما يقوم العلاج -بإذن الله- بمنع أو تقليل هذه المخاطر خصوصًا اذا ترافق مع تطوير نمط الحياة السالف ذكره، وهو ما تدعمه البراهين الطبية المعتبرة، دون إنكار أن لكل تدخل طبي اضراره الجانبية ولكنها لا تكاد تساوي شيئًا أمام مخاطر ترك المرض بدون علاج.
عند تشخيصك بمرض ارتفاع ضغط الدم هذا لا يعني حتمًا وضعك على أدوية متعددة طوال حياتك، حيث من الممكن في حالات غير قليلة تعديل معدلات ارتفاع الضغط عن طريق تغيير نمط الحياة وتجنب العادات الضارة، فلذا كما قلنا تشاور مع طبيبك. لكننا ننوه على أنه عند الاتفاق مع الطبيب المعالج على خيار البدء في تجربة تغيير نمط الحياة قبل وصف الدواء فهذا لا يعني “شيكًا على بياض إلى الأبد”، فلذا تشاور مع معالجك على تفاصيل خطة تطوير نمط الحياة بدقة واتفق معه على المدة الزمنية للمضي قدما في ذلك من غير الأدوية والتي غالبًا ما تكون لمدة أشهر محسوبة بدقة، حسب حالتك الصحية وحسب درجة الخطورة القلبية الوعائية لديك قبل قرار البدء في ادخال العلاج الدوائي في الخطة العلاجية. التمادي في التمديد خطأ شائع وخطير المآل جدًا جدًا.
الخبر الجيد في حالة حدوث مرض ارتفاع ضغط الدم بأنه من المحتمل جداً بأن يكون ذلك نقطة تحول مركزية في حياتك تعود بك إلى تبني نمط حياة جديد طبيعي جميل هو الأقرب إلى خلقتك وأصلك التكويني البشري وأن تهجر عادات وسلوكيات لطالما كنت ترغب في هجرها.
هذه شذرات مما يتحتم قوله في هذا الاستهلال عن المفاهيم الشائعة حول مرض ارتفاع ضغط الدم، سنعود لاحقًا لتفصيل ذلك وأمور أخرى في كل فصل من فصول هذه السلسلة.
نلقاكم في صحة وعافية وأمل.